انهيار الريال الإيراني قنبلة موقوتة تهدد بانفجار الاجتماعي

 السقوط الحر للعملة الإيرانية بشكل كارثي ومباشر يرتد على حياة الإيرانيين اليومية، حيث تحولت الأسواق إلى ساحات للغلاء الفاحش الذي لم يعد يطاق.

ميت أيست/طهران - تعيش إيران اليوم واحدة من أعنف أزماتها الاقتصادية في التاريخ الحديث، مع استمرار انهيار العملة الوطنية، حيث تحول الانحدار المتسارع لقيمة الريال إلى "كرة ثلج" تجرف معها ما تبقى من استقرار معيشي للمواطن الإيراني. ومع وصول سعر الدولار الأميركي إلى مستوى قياسي بلغ 134,400 تومان، لم تعد الأزمة مجرد أرقام جافة على شاشات الصرافة، بل تحولت إلى محرك رئيسي لحالة من الاحتقان الشعبي المكتوم الذي يهدد باشتعال الجبهة الاجتماعية في أي لحظة.

وتشير البيانات الميدانية إلى أن العملات الأجنبية سلكت مساراً تصاعدياً حاداً، حيث قفز الدولار بنحو 12.5 في المئة في غضون ثلاثة أسابيع فقط منذ مطلع ديسمبر/كانون الأول، بينما سجلت العملات الأخرى كاليورو والإسترليني والليرة التركية ارتفاعات قياسية مماثلة، مما رسم خارطة طريق لموجة تضخمية غير مسبوقة تكتسح الأسواق والبيوت على حد سواء.

وهذا التدهور المالي المتسارع ليس وليد الصدفة أو مجرد تذبذب عابر في السوق، بل هو نتاج مباشر لتقاطع الضغوط السياسية الخارجية مع الاختلالات الهيكلية العميقة في الداخل الإيراني. وقد اشتدت وتيرة هذا الانهيار بشكل ملحوظ في أعقاب عودة عقوبات الأمم المتحدة، وتزامن ذلك مع تشديد مسؤولي النظام على مواصلة البرنامج النووي، مما أرسل إشارات سلبية للأسواق والمستثمرين وأفقد الجميع الثقة في إمكانية تحقيق استقرار نقدي قريب.

ووضع إصرار صانع القرار في طهران على المضي قدماً في سياسات المواجهة الخارجية، رغم التكلفة الاقتصادية الباهظة، العملة الوطنية في مهب الريح، وجعل من "التومان" ضحية للتجاذبات الجيوسياسية التي لا تبدو لها نهاية في الأفق القريب.

وانعكس هذا السقوط الحر للعملة بشكل كارثي ومباشر على حياة الإيرانيين اليومية، حيث تحولت الأسواق إلى ساحات للغلاء الفاحش الذي لم يعد يطاق. ووفقاً للإحصاءات، فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية بمتوسط تجاوز 66 في المئة خلال عام واحد، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة التي انزلق جزء كبير منها إلى ما دون خط الفقر. وبات الاقتصاد الإيراني الذي يئن أصلاً تحت وطأة الركود المزمن، عاجزاً عن امتصاص هذه الصدمات السعرية، مما جعل الحصول على المواد الأساسية رحلة شاقة للمواطن البسيط.

وخلق هذا الواقع المرير فجوة هائلة بين الوعود الحكومية بالسيطرة على التضخم وبين الحقيقة الملموسة في الشارع، حيث يرى الإيرانيون مدخرات عمرهم تتبخر أمام أعينهم لصالح عملات أجنبية لا تتوقف عن الصعود.

وتبدو التداعيات السياسية والاجتماعية لهذا الانهيار أكثر خطورة من الأرقام الاقتصادية الصرفة، فالشارع الإيراني الذي يراقب هذا التدهور يعيش حالة من "الغليان المكتوم" الذي قد ينفجر في أي لحظة. ومع انسداد الأفق الدبلوماسي وتزايد العزلة الدولية، يتصاعد الشعور بالإحباط من شعارات "اقتصاد المقاومة" التي لم تنجح في تأمين رغيف الخبز أو استقرار الأسعار.

ويضع هذا الاحتقان الشعبي السلطة أمام مأزق وجودي، فإما الاستمرار في نهج التصعيد الخارجي مع تحمل تبعات الانفجار الداخلي الوشيك، أو البحث عن مخارج سياسية واقعية تخفف عبء العقوبات وتوقف نزيف الريال. وفي ظل غياب أي بوادر للإصلاح الجذري، تظل الجبهة الاجتماعية مرشحة لتكون الساحة القادمة للمواجهة، حيث أثبتت التجارب أن الأزمات المعيشية هي دائماً الفتيل الأسرع لاشتعال الاحتجاجات الواسعة التي تتجاوز في سقفها المطالب الاقتصادية لتطال البنية السياسية برمتها.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1269 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع