
الرّئيس الإيراني مسعود بزشكيان
إرم نيوز:دخلت العلاقةَ بين الرّئيس الإيراني مسعود بزشكيان والبرلمان الإيراني منعرجا سياسيا خطيرا، يؤشر إلى وجود أزمة ثقة كبيرة بين الطرفين حيث تصاعدت الدعوات البرلمانية إلى سحب الثقة بشكل جزئي أو كلي من حكومة بزشكيان.
ولئن اتخذت هذه المطالب منحى اجتماعيا واقتصاديا، فإنّها في العمق تستمد شرعيتها من رفض التيار المتشدد مواقف الرئيس الأخيرة حول التفوق الصاروخي الإسرائيلي خلال حرب الأيام 12.
وألقت تصريحات بزشكيان بظلالها على البرلمان الإيراني ذي الغالبية المتشددة، حيث مثلت مفاجأة غير سارة للتيار المتشدد الذي بنى سردية كاملة تدور حول الانتصار في الحرب الأخيرة.
وترى دوائر سياسية وإعلامية إيرانية أنّ بزشكيان عمد إلى تقديم رواية أخرى عن مجريات الحرب وعن الخسائر المتكبدة وعن هوية الفائز بها، حيث أقرّ خلال الأسبوع الفارط بأنّ الصواريخ الإسرائيلية كانت أقوى وأدق وأكثر عدد وأسهل استعمالا من الصواريخ الإيرانية، واعترف أنّ ما سماه بالصمود الإيراني يعود للشعب الإيراني الذي خيب آمال الإسرائيليين.
ماكينة برلمانية لإسقاط بزشكيان
ولم يكد يمضي على تصريحات الرئيس الإيراني أسبوع واحد، حتّى بدأت الماكينة البرلمانية ذات الغالبية المتشددة في العمل ضدّ حكومته، وسط تلويح بإمكانية سحب الثقة منه، في سابقة تاريخية في النظام السياسي الإيراني.
ففي تصريح لافت، حذّر رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف، من أنّ النواب قد يتجهون إلى سحب الثقة من حكومة الرئيس مسعود بزشكيان في حال فشلها في كبح جماح الارتفاع الحاد في الأسعار.
وتعاني إيران من أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة، زادت حدّتها قلة هطول الأمطار، والجفاف غير المسبوق الذي أصاب مناطق واسعة من البلاد، فيما أدخلت العقوبات الاقتصادية المستجدة الوضعية المالية في حالة استعصاء رهيب.
وخلال جلسة علنية للبرلمان، قال قاليباف إنّ الارتفاع غير المنضبط في أسعار السلع الأساسية بات أحد أبرز هموم المواطنين، مضيفا أنّ صعود أسعار العملات الأجنبية والذهب أصبح من العوامل الرئيسية التي تغذي التضخم العام.
وخلال فترة رئاسة مسعود بزشكيان خسرت العملة الإيرانية أكثر من نصف قيمتها المالية أمام الدولار والذي بات يبلغ اليوم في الأسواق السوداء 1.3 مليون ريال إيراني.
سلسلة اجتماعات للمساءلة
وأشار قاليباف إلى أنّ البرلمان عقد سلسلة اجتماعات رقابة ومساءلة مع مسؤولين حكوميين رفيعي المستوى على رأسهم وزراء الاقتصاد والزراعة والصناعة، إضافة إلى رئيس منظمة التخطيط والموازنة ومحافظ البنك المركزي الإيرانيّ.
وفي تهديد لافت للرئيس بزشكيان، قال قاليباف إنّ الاجتماعات ركزت على الحيلولة دون مزيد تآكل القدرة الشرائية للعائلات وتنفيذ برنامج قسائم غذائية مدعومة من الدولة والسيطرة على تقلبات سوق العملات، ولكن إذا لم تؤت هذه الإجراءات والقراءات ثمارها، فإنّ الأولوية ستكون لقيام الحكومة بتعديل وزاريّ، وإذا لم تستجب الحكومة للتعديل أو أنّه كان قاصرا على تأمين النتائج المرجوة فإنّ النواب سيضطرون إلى البدء في إجراءات سحب الثّقة.
الظاهر والباطن
في سياق التأزم السياسي، تؤكد مصادر إعلامية إيرانية مطلعة أنّ هذا الخطاب التّصعيدي من رأس السلطة التشريعية في إيران، له ظاهر وله باطن أيضا.
ووفقا لهذه المصادر، فإنّ الظاهر يتمثل في العناوين الاقتصادية المشروعة والمعلنة والواضحة والتي لا يمكن لأي مراقب للشأن الإيراني تجاهلها، حيث تشير الإحصائيات والتقارير الحكومية ذاتها إلى أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة في البلاد.
إذ أكّد الرئيس مسعود بزشكيان شدّة وطأة الأزمة الاقتصادية في البلاد، وقلّة الخيارات والبدائل في ظلّ عقوبات اقتصادية قاسية وخيارات المرشد الإيرانيّ بعدم التعامل الاقتصاديّ مع واشنطن، وصعوبة اختراق جدار العقوبات الأوروبي والأمريكيّ.
وينضاف لكل ما سبق أنّ إجراء سحب الثقة من الوزراء الإيرانيين، أمر معمول به في الأعراف البرلمانية الإيرانية، وكان آخرها سحب الثقة من وزير الاقتصاد عبد الناصر همتي في مارس/ آذار 2025.
إلا أنّ الباطن في هذا السلوك التصعيدي الذي يتبناه رئيس البرلمان والمنافس السابق لبزشكيان في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، يكمن في تصفية الحسابات السياسية مع الرئيس على خلفية خطابه وتصريحاته الأخيرة والتي أقرّت بالتفوق الصاروخي الإسرائيلي خلال حرب الأيام ال12.
ووفقا لمراقبين ومتابعين للشأن الإيرانيّ، فإنّ الغضب البرلماني لا يقف عند المطلب الاقتصادي، بل يتعداه إلى المطلب الدبلوماسيّ، حيث يُنظر لقائد الدبلوماسية الإيرانية عباس عرقجي "الوزير المعتدل المقرّب من الرئيس" بالكثير من التحفظ والاستدراك.
وفي دولة مثل إيران، حيث يٌقاس نجاح الدبلوماسية بالقدرة على اختراق جدران العدوّ، وتخفيف العقوبات الاقتصادية، واللعب على التناقضات بين الفاعلين الأوروبيين والأمريكان، واستدرار أعلى قدر ممكن من العائدات المالية دون تقديم تنازلات جوهرية، فإنَّ حصيلة الوزير عرقجي، جدّ فقيرة.
المتشددون يصعّدون ضدّ الرئيس
ولا يفصل التيار المتشدد في إيران، ما بين الأزمة الاقتصادية المتفاقمة وبين انحسار الدور الدبلوماسي الإيراني، حيث ينطلقون من تلازمية البعد الاقتصادي الداخلي مع البعد الدبلوماسي الخارجي، ويعتبرون أنّ رفض التيار الإصلاحي والمعتدل لما يسمونه بـ"اقتصاد المقاومة"، واستبداله باقتصاد التفاوض والدبلوماسية النّاعمة لم يقدم نتائج تُذكر.
في هذا السياق، تشير المصادر الإيرانية إلى أنّ اجتماع الفشل الاقتصادي والانحسار الدبلوماسي والإقرار بالتفوق الصاروخي الإسرائيلي، تُمثل وصفة ملائمة للتيار المتشدد، لا فقط لإحداث تغيير راديكالي في حكومة بزشكيان، بل في إمكانية سحب الثقة من الرئيس ذاته.
ولئن كان من السّابق لأوانه الحديث عن فرضيّة سحب ثقة من الرّئيس، إلا أنّها تبقى إمكانية قائمة جدّا، بالنَّظر لحصيلة حكومته الاقتصادية والدبلوماسية وبالنظر أيضا لعدم انضباطه الإعلامي والسياسي للسردية الرسمية حيال حرب الأيام الـ12.
وبالعودة إلى مقتضيات سحب الثقة من الرئيس، فإنّ الفرضية صعبة ولكنها غير مستحيلة، حيث تستوجب تأمين 3 شروط أساسية، وهي غالبية الثُّلثين من جُملة أعضاء البرلمان (194 مُشرّعا) على خلاف النصف زائد واحد من أعضاء البرلمان الحاضرين في جلسة سحب الثقة من الوزراء، وموافقة مجلس صيانة الدستور، والأهم من كل ما سبق موافقة المرشد الأعلى، علي خامنئي.
ودون دخول في تعقيدات النظام السياسيّ في إيران، فمن الواضح أنّ التصعيد البرلماني يسعى إلى إعادة هندسة المشهد، قصد التخلص من بزشكيان، وفي أقل الحالات منع ترشحه لولاية رئاسية ثانية، مع تسليط الضغط السياسي عليه قصد فرض الانضباط الإعلامي والسياسي عليه، والحيلولة دون خروجه عن السردية الرسمية.
صراحة بزشكيان
في مقابل هذا المشهد القائم والسيناريوهات القادمة، تؤكد مصادر إعلامية قريبة من التيار الإصلاحي، أنّ بزشكيان، اختار الصراحة والواقعية مع الرأي العام الإيراني، ومع النخب السياسية والأكاديمية التي تتوفر لديها قراءة أخرى عن مسار الحرب الأخيرة ضدّ إسرائيل، وأنّه سعى إلى المحافظة على هذا الاحترام الشعبي والتقدير النخبوي عبر خطاب المصارحة.
وتستبعد هذه المصادر، تداعي سيناريو الأزمة المركبة في إيران إلى سحب الثقة منه، حيث ترى أنّ هذه الخطوة خطيرة جدّا ومن شأنها تحريك الشارع والدخول في أزمة سياسية معقدّة ومغلقة، تتجاوز بمديات "الثورة الخضراء"، والتي بدأت كانتقاد لنتائج الانتخابات وكادت أن تصل إلى مستوى "الثورة" ضدّ "الثورة".
وترجح في المقابل، أن يكون هذا التصعيد، هدفه منع بزشكيان من الحصول على ولاية رئاسية ثانية، وربط الفشل الاقتصادي والدبلوماسي بالجناح الإصلاحي والمعتدل، وبالتالي تصعيد وجه متشدد لسدة السلطة يكون امتدادا تاريخيا وطبيعيا لفترة الرئيس إبراهيم رئيسي، والتي انحرفت بمقتضى الوفاة، من التيار المتشدد إلى التيار الإصلاحي.
891 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع