تأثير البيئة في الجانب العقائدي للشعوب

أ.د.نزار الربيعي

تأثير البيئة في الجانب العقائدي للشعوب

إن للبيئة أثرها الواضح في الحياة اليومية لأي شعب من الشعوب بما في ذلك ونقصد بالبيئة كل شي يحيط بالإنسان من مظاهر الطبيعة كالتضاريس والمناخ والموارد الطبيعية والموقع الجغرافي هل هو موقع ساحلي أو جبلي وهذه كلها عوامل أثرت على الإنسان في تحديد مفاهيمه ومعتقداته وتعامله معها واختلاف البيئة واختلاف تعامل الإنسان معها أدى إلى صياغة تاريخ الشعوب القديمة وحضارتها.
وقد اختلفت مجالات تأثير البيئة على حياة الشعوب حيث ذهب بعضهم إلى إنّ لها اثر على الجانب الثقافي لحياة الأفراد كالأدب فلا يخلو من التغني في الطبيعة أو إنها نتاج لما يراه الفرد من ملامح الطبيعة كالمناظرات في أدب بلاد الرافدين التي زخرت بالمناظرات بين عناصر الطبيعة مثل الشتاء والصيف والنخلة وشجرة الأثل والغلة والماشية, وكذلك الأساطير كأساطير الخلق والتكوين وغيرها فبينما نرى إن غضب الآلهة على الإنسان في بلاد وادي الرافدين تجسد على شكل فيضان في أساطير الطوفان ذلك لأنها تعاني من الفيضانات المتكررة أما في أساطير إيران القديمة فان محاولة القضاء على البشر كان عن طريق البرد القارس والأمطار والثلوج وطبعا هذا نابع من البيئة الجبلية الباردة التي تتمثل بها الأقسام الشمالية وبالتالي فان مثل هذه النتاجات الأدبية قد تأثرت بشكل كبير بالظروف المحيطة بكاتب الأسطورة والشعر.
وكذلك تؤثر البيئة في الجانب العقائدي فان هناك الكثير من المعتقدات والأفكار المختلفة في جميع أنحاء العالم يرجع جزء كبير من الاختلاف فيها إلى اختلاف البيئة وكان تأثير البيئة على أنواع المعبودات التي عبدها الإنسان في الحياة الدنيا وكذلك على معتقداته بما يخص عالم ما بعد الموت. فأرتبط ذلك بكون البيئة هادئة أو مضطربة, فالبيئة الهادئة تؤثر إيجابا في الفرد وتجعل منه شخص ذو علاقة طيبة معها وكله ثقة بها وله نظرة مستقبلية متفائلة ويسير في حياة متزنة سياسيا واجتماعيا كما هو الحال في بلاد وادي النيل حيث تعاطف نهر النيل مع الفلاحين فكان الناس ينظرون إلى الكون كفعل رائع قام به خالق قادر على كل شيء مسخرٌ لمشيئته عناصر الطبيعة فالبيئة المصرية خالية من الكوارث التي تهدد حياة الإنسان, وهذا عكس ما تولّده الحياة المضطربة كالتي تتميز بها بيئة بلاد الرافدين التي غالبا ما تهدد حياة الفرد وتجعله يعيش حالة الطوارئ مهددا بالفناء هو وممتلكاته لذلك تصور ما بعد الموت هو انتقال من عالم علوي إلى عالم سفلي.
وذهب بعضهم الأخر إلى ابعد من ذلك حيث اعتبر أن للبيئة تأثير على سلوك الإنسان ونشاطه الفكري كما وتؤثر على النظام الأخلاقي للأفراد وليس الديني فقط حيث يظهر ذلك واضحا في البداوة وما يرافقها من الخشونة في السلوك والأخلاق على عكس حياة المدينة المائلة إلى الترف والدعة, كما تظهر تأثيرات البيئة على سلوك الإنسان من خلال الممارسات السحرية التي كانت شائعة في الديانات القديمة, حيث إن أعمال السحر كان الهدف منها توثيق الصلة بين الإنسان والطبيعة المحيطة به من خلال أفعال السحرة لتسخير القوى الكونية حيث اعتقد في مرحلة من مراحل تطوره الفكر إن باستطاعته التأثير في الظواهر الطبيعية المحيطة به لتفادي النتائج السلبية وكل مجتمع بدائي له مجموعة من السحرة على اعتبار الأقدر في ضبط سلوك القوى الخارقة والكشف عن مكنونها وإرضائها.
كما إن استقرار الطبيعة واضطرابها يحدد نظام الحكم في تأليه الحاكم وعدمه فقد نسب الاختلاف في النظرة السياسية للحاكم بين بلاد وادي الرافدين وبين وادي النيل إلى طبيعة البيئة فعدم استقرار البيئة في بلاد وادي الرافدين أدى إلى الاعتقاد بان البيئة خارجة عن نطاق تحكم وسيطرة البشر فهي إذن تسيّر من قبل قوى اكبر من البشر مثل الآلهة وما الحاكم إلا نائب ومخول عنها في إدارة شؤون البلاد وقد يكون للبيئة تأثير غير مباشر كتأثير الموقع الجغرافي في تركيبة السكان إذا كان موقعا مفتوحا يؤدي إلى انصهار الأقوام الوافدة مع السكان الأصليين وما ينتج عن ذلك من تلاقح حضاري .

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1417 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع